إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

فضائل شهر رمضان

وَمِمَّا يَنبَغِي أَنْ يَعلَمَهُ كُلُّ مُسْلِمٍ -أَيضًا- أنَّ حِكْمَةَ اللهِ عز وجل اقْتَضَتْ أَنْ يُفَضِّلَ بَعْضَ مخْلُوقَاتِهِ عَلَى بَعْضٍ، فَفَضَّلَ بَعْضَ العِبَادِ عَلَى بَعْضٍ، وفَضَّلَ بَعْضَ الرُّسُلِ عَلَى بَعْضٍ؛ كَمَا يُؤْذِنُ بِذَلِكَ قَولُهُ سبحانه وتَعَالى:{ تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ } البقرة: ٢٥٣، وكَذَا فَضَّلَ بَعْضَ الأَمْكِنَةِ عَلَى بَعْضٍ؛ كَمَا يُؤْذِنُ بِذَلِكَ قَولُهُ سبحانه وتعالى:{ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ } الإسراء: ١، وكَذَا فَضَّلَ بَعْضَ الأَزْمِنَةِ عَلَى بَعْضٍ كمَا فَضَّلَ شَهْرَ رَمَضَانَ وجَعَلَهُ سَيِّدَ الشُّهُورِ؛ وَلِذَا كَانَ لهَذَا الشَّهرِ الكَريمِ فَضَائِلُ كَبِيرَةٌ وحِكَمٌ جَلِيْلةٌ[11]، فَمِنْ فَضَائِلِ هَذَا الشَّهرِ العَظِيْمِ ومَزَايَاهُ:

- أنَّ فِيْهِ ابْتَدَأَ إِنْزَالُ القُرْآنِ الكَرِيمِ؛ فهُوَ شَهْرُ القُرْآنِ؛ قَالَ تَعَالى:{شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ } البقرة: ١٨٥.

- أنَّ فِيهِ لَيْلةً هِيَ خَيرٌ مِنْ ألْفِ شَهْرٍ، أَلا وَهِيَ لَيْلَةُ القَدْرِ؛ قَالَ تَعَالى:{ إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ{1} وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ{2} لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ } القدر: ١ - ٣.

- أنَّ لِلصَّائِمِينَ المُوَفِّينَ بَابًا في الجَنَّةِ يُسَمَّى بَابَ الرَّيانِ[12]؛ لِقَولِهِ صلى الله عليه وسلم: "ومَنْ كانَ مِنْ أَهْلِ الصَّومِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الرَّيَّانِ"[13].

- أنَّ لِلصَّائمِ فِيهِ دَعْوَةً مُسْتَجَابةً لا تُرَدُّ؛ لقَولِهِ سبحانه وتعالى في وسَطِ آيَاتِ الصِّيَامِ:{ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ } البقرة: ١٨٦[14]، وقَالَ صلى الله عليه وسلم: " إِنَّ لِلصَّائِمِ عِنْدَ فِطْرِهِ دَعْوَةً"[15]. 

- يَكثُرُ فِيهِ غُفرَانُ الذُّنُوبِ، وقَبُولُ تَوْبَةِ العِبَادِ؛ لأنَّهُ شَهرٌ تتَضَاعَفُ فِيْهِ العِبَادَةُ، وتَلِينُ فِيْهِ قُلُوبُ العَاصِين والمُجْتَرِحِينَ، وتهشُّ فيهِ نُفُوسُ العَابِدِينَ والعَائِدِينَ إلى مُنَاجَاةِ رَبِّ العَالمينَ.

- يُضَاعِفُ اللهُ تَعَالى فِيْهِ للصَّائِمِينَ الأجُورَ، ويَرفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ[16]؛ قَالَ العَبْدُ الشَّكُورُ عَلَيهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: " فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ"[17]، وقالَ عَلَيهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ لأمِّ سِنَانٍ الأنْصَارِيَّةِ: " إِنَّ عُمْرَةً فِي رَمَضَانَ تَقْضِي [أي تعدل] حَجَّةً"[18].

- تُفتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ الجَنَّةِ، وتُغلَقُ أَبْوَابُ النَّارِ، وتُصَفَّدُ الشَّيَاطِينُ؛ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي رَمَضَانَ: " تُغَلَّقُ فِيهِ أَبْوَابُ النَّارِ وَتُفَتَّحُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ وَتُصَفَّدُ فِيهِ الشَّيَاطِينُ،[19] قَالَ وَيُنَادِي فِيهِ مَلَكٌ يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَبْشِرْ يَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ"[20]. 

فَحَرِيٌّ بيْ وبِكَ وبِكُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ نتَّخِذَ هَذَا الشَّهرَ الكَرِيمَ مِضْمَارَ سِبَاقٍ، ومَيدَانَ تَنَافُسٍ، وقَنْطَرَةَ عُبُورٍ، نَسْلُكُها لنُزِيلَ مَا عَلِقَ بقُلُوبِنَا مِنْ أدْرَانِ الذُّنُوبِ والمعَاصِيْ، ونمحُوَ مَا تَرَاكَمَ عَلَى نفُوسِنَا مِنَ الهُمُومِ والأحْزَانِ والأغْيَانِ[21]، ولِنُجَدِّدَ بنَاءَنا الإِيمَانيَّ، ونتَخَلَّقَ بخُلُقِ نبيِّنَا الكَرِيمِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ-.  

{تَنْبِيْهٌ}: رَوَى ابنُ خُزَيمةَ في صَحِيحِهِ مِنْ طَرِيقِ سَلْمَانَ الفَارِسِيِّ رضي الله عنه قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم في آخِرِ يَومٍ مِنْ شَعبَانَ فقَالَ:  

« أيُّها النَّاسُ قدْ أظلَّكُمْ شَهرٌ عَظِيمٌ، شَهرٌ مُبَاركٌ، شَهرٌ فِيهِ لَيْلةٌ خَيرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، جَعَلَ اللهُ صِيَامَهُ فَرِيضَةً، وقِيَامَ لَيلِهِ تَطَوُّعًا، مَنْ تقرَّبَ فِيهِ بخصْلَةٍ مِنَ الخَيرِ، كَانَ كَمَنْ أدَّى فَرِيضَةً فيمَا سِواهُ، ومَنْ أدَّى فِيهِ فَرِيضَةً كَانَ كمَنْ أدَّى سَبْعِينَ فَرِيضَةً فيمَا سِوَاهُ، وهُوَ شَهْرُ الصَّبرِ، والصَّبرُ ثَوَابُهُ الجَنَّةُ، وشَهْرُ الموَاسَاةِ، وشَهْرٌ يَزْدَادُ فِيهِ رِزْقُ المؤْمِنِ، مَنْ فطَّرَ فِيهِ صَائِمًا كَانَ مَغْفِرَةً لذُنُوبِهِ وعِتْقَ رَقَبَتِهِ مِنَ النَّارِ، وكَانَ لَهُ مِثْلُ أجْرِهِ مِنْ غَيرِ أَنْ يَنتَقِصَ مِنْ أَجْرِهِ شَيءٌ»، قَالُوا: لَيسَ كُلُّنَا نجِدُ مَا يُفَطِّرُ الصَّائِمَ، فَقَالَ: «يُعْطِي اللهُ هَذَا الثَّوَابَ مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا عَلَى تمْرَةٍ، أو شَرْبَةِ مَاءٍ، أو مَذْقَةِ لَبنٍ، وهُوَ شَهرٌ أَوَّلُهُ رَحمةٌ، وأَوْسَطُهُ مَغْفِرَةٌ، وآخِرُهُ عِتْقٌ مِنَ النَّارِ...»[22]. 

هَذَا الحَدِيثُ -وإنْ كَانَتْ كَثِيرٌ مِنْ مَعَانِيْهِ صَحِيحَةً في ذَاتها، وإِنْ كَانَتْ بَعْضٌ مِنْ جملِهِ ثَابِتَةً عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم إِلا أنَّهُ في مجْمُوعِهِ لا يَثْبُتُ عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، يقُولُ شَيخُنا إِمَامُ السُّنةِ والأُصُولِ -حفِظَهُ اللهُ-: "ومِنْهُمْ مَنْ ذَهَبَ إِلى تَضْعِيفِهِ وهُوَ الصَّوَابُ، فَهَذَا الحَدِيثُ عَلَى الصَّحِيحِ لا يَثْبُتُ عَنِ النَّبيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ- وعَلَيْهِ فَلا يَنْبَغِي الإتْيَانُ بهِ في الدُّرُوسِ والخُطَبِ إلا مَا ثَبَتَ مِنْ جُمَلِهِ مِنْ غَيْرِ هَذَِا الطَّرِيقِ.. واللهُ تَبَارَكَ وتعَالى أَعْلَمُ"[23]. 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق